الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ***
لما فرغ من الطهارة شرع في الصلاة ; لأنها المقصود وقدم الأوقات ; لأنها الأسباب وهي متقدمة على المسببات كذا في غاية البيان قال صاحب الفرائد نقلا عن قاضي زاده ولقائل أن يقول : كون الأسباب متقدمة على المسببات إنما يقتضي تقديم الأوقات على نفس الصلاة التي بينت في باب صفة الصلاة لا على شروط الصلاة التي ذكرت في باب شروط الصلاة ; لأن الشروط أيضا متقدمة على المشروطات , وليست من مسببات أسباب المشروطات ولا يتم التقريب , والأظهر ما ذكر في العناية حيث قال : وإنما ابتدأ ببيان الوقت ; لأنه سبب للوجوب وشرط للأداء فكانت له جهتان في التقديم انتهى أقول : وفيه كلام لا خفاء في أن تقدم السبب على المسبب في الوجود يقتضي تقدمه على شروطه التي لا يعتبر وجودها إلا بعد وجود سبب مشروطها لتوقفها عليه شرعا فيتم التقريب . وقال الزيلعي الصلاة في اللغة الدعاء قال الله تعالى
( وقت الفجر ) أي وقت صلاة الصبح فالفجر مجاز مرسل فإنه ضوء الصبح ثم سمي به الوقت كذا قال المطرزي : بدأ به ; لأنه لا خلاف في أوله وآخره كذا في أكثر الكتب أقول : فيه كلام ; لأن الخلاف واقع فيهما أو لأنه أول النهار أو لأن أول من صلاها آدم عليه الصلاة والسلام حين أهبط من الجنة , وبدأ محمد في الأصل بوقت الظهر ; لأن جبريل عليه الصلاة والسلام في بيان الأوقات بدأ به ( من طلوع الفجر الثاني ) أي الصادق . ( وهو البياض المعترض ) أي المنتشر ( في الأفق ) يمنة ويسرة وهو المستضيء المسمى بالصبح الصادق ; لأنه أصدق ظهورا واحترز به عن المستطيل , وهو الذي يبدو في ناحية من السماء كذنب السرطان طولا ثم ينكتم فسمي فجرا كاذبا ; لأنه يبدو نوره ثم يخفى ويعقبه الظلام ولا اعتبار به لقوله عليه الصلاة والسلام "لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل" إنما المعتبر الفجر المستطير ( إلى طلوع الشمس ) أي إلى وقت طلوع شيء من جرم الشمس . وفي النظم إلى أن يرى الرائي موضع نبله لما روي "أن جبريل عليه الصلاة والسلام أم برسول الله عليه الصلاة والسلام فيها حين طلع الفجر في اليوم الأول , وفي اليوم الثاني حين أسفر جدا وكادت الشمس تطلع ثم قال في آخر الحديث ما بين هذين الوقتين وقت لك ولأمتك" .
( ووقت الظهر من زوالها ) أي زوال الشمس عن المحل الذي تم فيه ارتفاعها , وتوجه إلى الانحطاط , ولا خلاف فيه من المجتهدين , وفي معرفة الزوال روايات أصحها كما في المحيط أن تغرز خشبة مستوية في أرض مستوية فما دام ظلها على النقصان لم تزل فإذا وقفت بأن لم تنقص ولم تزد فهو قيام الظهيرة لا تجوز فيه الصورة فإذا أخذ الظل في الزيادة فقد زالت عن الوقوف فخط على موضع الزيادة خطا فيكون من رأس الخط إلى العود فيء الزوال , وهذا إذا لم تكن الشمس في سمت الرأس كما في خط الاستواء ثم إن الفيء يختلف باختلاف الأمكنة بحسب العروض والأزمنة بحسب الفصول كما حقق في موضعه فليراجع , والفيء كالشيء وهو نسخ الشمس قال ابن ملك في إضافة الفيء إلى الزوال تسامح ; لأنه أراد به فيء قبيل الزوال . وفي الدرر : وإضافته إلى الزوال لأدنى ملابسة لحصوله عند الزوال فلا يعد تسامحا انتهى لكن يرد أن حقيقة الإضافة كمال الاختصاص مثل التمليك , واستعمالها في غير هذا يكون إما تجوزا إن لوحظت العلاقة , وإلا يكون تسامحا والأيسر منه ما روي عن محمد أن يقوم الرجل مستقبل القبلة فما دامت الشمس على حاجبه الأيسر فالشمس لم تزل , وإذا صارت على حاجبه الأيمن علم أنها قد زالت ( إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال ) وهو رواية محمد عن الإمام وبه أخذ الإمام . ( وقالا إلى أن يصير مثلا ) وهو رواية الحسن عن الإمام وبه أخذ زفر والشافعي وروى أسد بن عمرو عن الإمام إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال خرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه فيكون بين وقت الظهر والعصر وقت مهمل قيل الأفضل أن يصلي صلاة الظهر إلى بلوغ الظل إلى المثل ولا يشرع في العصر إلا بعد بلوغ الظل إلى المثلين ولا يصلي قبله جمعا بين الروايات .
( ووقت العصر من انتهاء وقت الظهر ) على اختلاف القولين ( إلى غروب الشمس ) أي جرمها بالكلية على الأفق الحسي لا الحقيقي فإنه لا يمكن تحقيقه إلا للأفراد . وقال الحسن : إذا اصفرت الشمس خرج وقت العصر وأظن أن مراده : خرج الوقت المختار وإلا يلزم أن يوجد وقت مهمل بينه وبين المغرب ولم يوجد في الروايات .
( ووقت المغرب من غروبها إلى مغيب الشفق وهو البياض الكائن في الأفق بعد الحمرة ) لقوله عليه الصلاة والسلام "وآخر وقتها إذا اسود الأفق" . ( وقالا هو الحمرة ) وهو رواية أسد عن الإمام لكن خلاف ظاهر الرواية عنه وبه أخذ الشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام "الشفق هو الحمرة" . وفي المبسوط قول الإمام أحوط وقولهما أوسع أي أرفق للناس ( قيل وبه يفتى ) قال ابن النجيم : إن الصحيح المفتى به قول صاحب المذهب لا قول صاحبيه واستفيد منه أنه لا يفتى ولا يعمل إلا بقول الإمام ولا يعدل عنه إلى قولهما إلا لموجب من ضعف أو ضرورة تعامل واستفيد منه أيضا أن بعض المشايخ , وإن قال الفتوى على قولهما وكان دليل الإمام واضحا ومذهبه ثابتا لا يلتفت إلى فتواه فإذا ظهر لنا مذهب الإمام في هذين الوقتين أي وقت العصر والعشاء وظهر أيضا دليله وصحته وأنه أقوى من دليلهما وجب علينا اتباعه والعمل به , وهذا بحث طويل فليطلب من رسالته وقال بعض المشايخ ينبغي أن يؤخذ بقولهما في الصيف , وبقوله في الشتاء .
( ووقت العشاء والوتر من انتهاء وقت المغرب ) على اختلاف القولين ( إلى الفجر الثاني ) أي الصادق وللشافعي قولان في قول حتى يمضي ثلث الليل , وفي قول حتى يمضي النصف وكون وقتهما واحدا مذهب الإمام وعندهما وقت الوتر بعد صلاة العشاء , وهذا الخلاف مبني على أن الوتر فرض عنده وسنة عندهما . ( ولا يقدم الوتر عليها للترتيب ) أي ولا يقدم الوتر على صلاة العشاء لوجوب الترتيب بينهما ; لأنهما فرضان عنده , وإن كان أحدهما اعتقادا , والآخر عملا وفائدة الخلاف تظهر في موضعين أحدهما أنه لو صلى الوتر قبل العشاء ناسيا أو صلاهما فظهر فساد العشاء لا الوتر فإنه يصح ويعيد العشاء وحدها عنده ; لأن الترتيب يسقط بمثل هذا العذر وعندهما يعيد الوتر أيضا ; لأنه تابع لها فلا يصح قبلها والثاني أن الترتيب واجب بينه وبين غيره من الفرائض حتى لا تجوز صلاة الفجر ما لم يصل الوتر عنده وعندهما تجوز ; إذ لا ترتيب بين الفرائض والسنن كذا في الدرر .
( ومنع عن الصلاة ) في الأوقات التي ستذكر لحديث عقبة رضي الله تعالى عنه وهو في ثلاثة أوقات نهانا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن نصلي , وأن نقبر فيها موتانا والمراد بقوله : بأن نقبر صلاة الجنازة عند طلوع الشمس حتى ترتفع , وعند استوائها حتى تزول وحين تضيف أي قبل الغروب حتى تغرب فرضا كانت أو نفلا كذا في أكثر الكتب . وقال الإسبيجابي : ولو صلى التطوع في هذه الأوقات جاز مع الكراهة انتهى لكن يمكن توجيه كلام المصنف على هذا بأن يراد من الصلاة أنواعها الكاملة وهي الفرائض والواجبات والمنذورات دون جنسها ; لأن المطلق ينصرف إلى الكامل حتى لو صلى النوافل في هذه الأوقات الثلاثة جازت ; لأنه أداها ناقصة كما وجبت ; لأن النافلة تجب بالشروع وشروعه حصل في الوقت المكروه فيتأدى بصفة النقصان كما وجبت ناقصة وقال الكرخي : والأفضل له أن يقطعها ويقضيها في الوقت المباح . وقال الشافعي يجوز الفرض في هذه الأوقات في جميع البلدان , ويجوز النفل بمكة بلا كراهة . ( وسجدة التلاوة ) التي وجبت قبلها وأما إذا وجبت بالتلاوة في هذه الأوقات جاز أداؤها من غير كراهة لكن الأفضل تأخيرها ليؤديها في الوقت الصحيح . وفي القنية لا يكره سجدة الشكر . وفي المحيط وسجدة السهو كسجدة التلاوة حتى لو دخل وقت الكراهة بعد السلام وعليه سهو فإنه لا يسجد للسهو ويسقط عن ذمته انتهى ولهذا لو أطلق المصنف السجدة , واستثنى سجدة الشكر لكان أحسن . ( وصلاة الجنازة ) حضرت في غير هذه الأوقات ; لأنها لو حضرت فيها جازت من غير كراهة كذا في أكثر الكتب . وفي التحفة وغيرها وأما لو تلا آية السجدة في وقت مكروه وسجدها فيها أو حضرت جنازة فيها وصلاها تجوز مع الكراهة انتهى هذا مخالف لما ذكرناه في المسألتين إلا أن يحمل على الروايتين ( عند الطلوع ) أي ظهور شيء من جرم الشمس من الأفق , وذكر في الأصل ما لم ترتفع الشمس قدر الرمح فهي في حكم الطلوع وقيل : إن الإنسان ما دام يقدر على النظر في قرص الشمس في الطلوع فلا تحل الصلاة . ( والاستواء ) أي وقت وقوف الشمس في نصف النهار ( والغروب ) أي عند أفول الشمس إلى أن يغيب جرمها , وقيل من وقت التغير إلى أن يغيب جرمها ( إلا عصر يومه ) والاستثناء متصل على تقدير إرادة مطلق الصلاة وكذا على إرادة نوع الفرائض ; لأن فرض العصر منه , وإنما جاز عصر يومه ; لأنه أداها كما وجبت ; لأن سبب الوجوب الجزء القائم من الوقت أي الذي يليه الشروع ; إذ لا يمكن أن يكون كل الوقت سببا ; لأنه لو كان كله سببا لوقع الأداء بعده لوجوب تقدم السبب بجميع أجزائه على المسبب فلا يكون أداء ولا دليل يدل على قدر معين منه فوجب أن يجعل بعض منه سببا , وأقل ما يصلح لذلك الجزء الذي لا يتجزأ , والجزء السابق لعدم ما يزاحمه أولى فإن اتصل به الأداء تعين لحصول المقصود , وهو الأداء وإن لم يتصل به ينتقل إلى الجزء الذي يليه ثم وثم إلى أن يتضيق الوقت , ولم يتقرر على الجزء الماضي ; لأنه لو تقرر عليه كانت الصلاة في آخر الوقت قضاء وليس كذلك فكان الجزء الذي يليه الأداء هو السبب أو الجزء المضيق , أو كل الوقت إن لم يقع الأداء في جزء منه ; لأن الانتقال من الكل إلى الجزء كان لضرورة وقوع الأداء خارج الوقت على تقدير سببية الكل وقد زالت فيعود كل الوقت سببا ثم الجزء الذي يتعين يصير سببا لتغير صفته من الصحة والفساد فإن كان صحيحا فلا يتأدى بصفة النقصان , وإن كان ناقصا يجوز أن يتأدى بصفة النقصان وفيه يعتبر حال المكلف إسلاما وعقلا وبلوغا وطهرا وحيضا وسفرا وإقامة إذا تقرر هذا نقول إن لم يتصل الأداء بالجزء الأخير في العصر وانتقلت السببية إلى كل الوقت وجبت كاملا فلا يتأدى بصفة النقصان حتى لو أراد أن يقضي عصر أمسه بعد الاصفرار لا يجوز بخلاف عصر يومه كذا في المطلب .
باب ( الأذان ) هو لغة الإعلام مطلقا وشرعا إعلام دخول وقت الصلاة بوجه مخصوص ويطلق على الألفاظ المخصوصة والترتيب بينهما مسنون فلو غير الترتيب كانت الإعادة أفضل وسببه ابتداء أذان ملك ليلة الإسراء , وإقامته حين صلى النبي عليه الصلاة والسلام إماما بالملائكة وأرواح الأنبياء , والأشهر أن السبب رؤيا من الصحابة في ليلة واحدة , وهو مشهور , وقيل : نزول جبريل عليه الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا منافاة بين هذه الأسباب لإمكان ثبوته بمجموعها ( سن ) سنة مؤكدة هو الصحيح وقال بعض مشايخنا : واجب , وقال محمد بمقاتلة أهل بلدة اجتمعوا على تركه وأبو يوسف يحبسون ويضربون ولا يقاتلون ( للفرائض ) أي فرائض الرجال - وهي الرواتب الخمس - وقضائها والجمعة ( دون غيرها ) أي لا يسن لصلاة الجنازة والتطوع وصلاة العيدين والوتر وغيرها . ( وصفة الأذان معروفة ) لا يحتاج إلى ذكرها إلا عند مالك يكبر في أوله مرتين , وهو رواية عن أبي يوسف . ( ويزاد بعد فلاح أذان الفجر الصلاة خير من النوم مرتين ) روي عن الإمام أن قوله : الصلاة خير من النوم بعد الأذان لا فيه ; لأن إدخال كلمة أخرى بين كلمات الأذان لا يليق ( والإقامة مثله ) أي مثل الأذان خلافا للشافعي فإن الإقامة عنده فرادى فرادى إلا قد قامت الصلاة . ( ويزاد بعد فلاحها قد قامت الصلاة مرتين ) هكذا فعل الملك النازل من السماء وهو المشهور .
( باب شروط الصلاة ) جمع شرط بالتسكين , والشريطة في معناه وجمعها شرائط والشرط بالتحريك العلامة والجمع أشراط ومنه أشراط الساعة أي علاماتها والمستعمل في كلام الفقهاء الشروط لا الأشراط , وإنما قدم شروط الصلاة ; لأن شرط الشيء ما يتوقف وجود ذلك الشيء عليه سواء كان في العلة , أو في الحكم فإن علة وجوب الصلاة كما تتوقف على شرائطها من العقل والبلوغ فكذلك الصلاة , وهي الحكم يتوقف على وجود شرائطها من الطهارة والاستقبال وغيرهما فالمشروط يضاف إلى شرطه وجودا عنده والمعلول يضاف إلى علته وجوبا والفرق بين الركن والشرط أن الركن داخل في الماهية والشرط خارجها ويفترقان افتراق العام والخاص فكل ركن شرط ولا ينعكس بمعنى أنه يلزم من وجود العام عدم الخاص , والأعم والأخص على العكس فإنه لا يلزم من وجود الأعم وجود الأخص ويلزم من عدم الأعم عدم الأخص .
باب صفة الصلاة أي ماهية الصلاة وهذا شروع في المقصود بعد الفراغ من مقدماته قيل الصفة والوصف واحد في اللغة وفي عرف المتكلمين أن الوصف ذكر ما يوصف به , والصفة هي المعنى القائم بذات الموصوف فقول القائل : زيد عالم وصف لزيد لا صفة له , والعلم القائم به صفته لا وصفه ثم المراد هنا بصفة الصلاة الأوصاف النفسية لها وهي الأجزاء العقلية الصادقة على الخارجية التي هي أجزاء الهوية من القيام الجزئي والركوع والسجود كما في فتح القدير , وبهذا التحقيق ظهر عدم قيام العرض بالعرض وإضافة الشيء إلى نفسه كما توهم واعلم أنه يشترط لثبوت الشيء ستة أشياء العين , وهي ماهية الشيء , والعين هنا الصلاة , والركن , وهو جزء الماهية كالقيام , والحكم وهو الأمر الثابت بالشيء كجوازه وفساده وثوابه , ومحل ذلك الشيء وهو الآدمي المكلف , وشرطه كالطهارة , والسبب كالوقت ( فرضها ) يعني ما لا تجوز الصلاة بدونه ( التحريمة ) وهو جعل الأشياء المباحة قبلها حراما بها , والتاء للمبالغة . ( وهي شرط ) عندهما , وفرض عند محمد , وفائدته فيما إذا فسدت الفريضة تنقلب نفلا عندهما وعنده لا . وعند الشافعي وبعض أصحابنا ركن ; ولهذا قال فرض الصلاة ليشمل الركن والشرط , فإن الفرض أعم منهما ( والقيام ) أي قيام واحد في كل ركعة من الفرض دون النفل فاللام للعهد ( والقراءة ) للقادر عليها قدر ما تجوز به الصلاة لقوله تعالى وفي التلويح أن معنى الركن الزائد هو الجزء الذي إذا انتفى كان الحكم المركب باقيا بحسب اعتبار الشرع , وهذا قد يكون باعتبار الكيفية كالإقرار في الإيمان أو باعتبار الكمية كالأقل في المركب من الأكثر حيث يقال : للأكثر حكم الكل , وبهذا تبين مخالفة ابن الملك الجمهور بجعل القراءة ركنا أصليا ( والركوع ) وهو الانحناء والميل ( والسجود ) وهو وضع الجبهة أو الأنف على الأرض بطريق الخضوع لقوله تعالى وقال المحققون من مشايخنا : هو أمر تعبدي لم يعقل له معنى . ( والقعود الأخير قدر ) ما يقرأ فيه ( التشهد ) "قوله عليه الصلاة والسلام لعبد الله إذا رفعت رأسك من السجدة الأخيرة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك" علق تمام الصلاة بها قرأ التشهد أو لا وقيل : مقدار الشهادتين , وقيل : أدنى ما يطلق عليه الاسم كالركوع , والأول هو الصحيح ( وهي ) أي هذه الأفعال ما عدا التحريمة ( أركان ) ركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء وفي أكثر الكتب أن القعدة الأخيرة فرض لا ركن لعدم توقف الماهية عليها شرعا ; لأن من حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود بدون توقف على القعدة انتهى لكن أقول : يمكن توجيه كلام المصنف بأن يراد من الركن الركن الزائد لا الأصلي كما تقرر آنفا وبهذا تبين قصور ما قيل : إن هذه الأركان أصلية . ( وواجبها ) أي واجب الصلاة الذي لا يلزم فسادها بتركه وإنما يلزم الإثم إن كان عمدا وسجدتي السهو إن كان خطأ ( قراءة الفاتحة ) فلا تفسد الصلاة بتركها عندنا . وعند الأئمة الثلاثة أنها فرض لقوله عليه الصلاة والسلام "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ولنا قوله تعالى ( وسنتها رفع اليدين للتحريمة , ونشر أصابعه ) لما روي "أنه عليه الصلاة والسلام إذا كبر رفع يديه ناشرا أصابعه" وكيفيته أن لا يضم كل الضم ولا يفرج كل التفريج بل يتركها على حالها منشورة كما في أكثر الكتب , وبهذا ينبغي للمصنف أن يقول : والأصابع بحالها لا مضمومة ولا منفرجة ; لأن ظاهر كلامه يشعر بأن يكون النشر كاملا وليس بمراد والمراد به النشر دون الضم ولا التفريج كذا قاله الهندواني . ( وآدابها ) أي آداب الصلاة ( نظره إلى موضع سجوده ) حال قيامه , وإلى ظهر قدميه حال ركوعه , وإلى أرنبة أنفه حال سجوده وإلى حجره حال قعوده وإلى منكبه الأيمن والأيسر عند التسليمة الأولى والثانية ; لأن المقصود الخضوع وفي إطلاقه إشعار بأن النظر إلى موضع السجود فقط في الكل .
لما فرغ من بيان أركان الصلاة وشرائطها وواجباتها وسننها وآدابها شرع في بيان صفة الشروع فقال ( ينبغي ) للمصلي ( الخشوع في الصلاة ) لقوله تعالى فصل لما فرغ من بيان صفة الصلاة وكيفيتها وأركانها وفرائضها وواجباتها وسنتها شرع في بيان أحكام القراءة في فصل على حدة لزيادة أحكام تعلقت بها دون سائر الأركان وابتدأ بذكر الجهر والإخفاء دون ذكر القدر ; لأن الجهر والإسرار واجب على الإمام والمقدار الزائد على الركن سنة ( يجهر الإمام بالقراءة في الجمعة والعيدين والفجر وأوليي العشاءين ) يعني المغرب والعشاء تغليبا ( أداء وقضاء ) هو قيد للثلاث الأخيرة فلا يجهر في الظهر والعصر , وإن كان بعرفات ; لأنه هو المأثور المتوارث من لدن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى هذا الزمان خلافا لمالك فيها . وقال صاحب المنح : ويجهر في تراويح ووتر بعدها وقيدنا الوتر بكونه بعد التراويح ; لأنه إنما يجهر في الوتر إذا كان في رمضان لا في غيره كما أفاده ابن النجيم في بحره وهو وارد على إطلاق الزيلعي الجهر في الوتر إذا كان إماما انتهى وفيه كلام ; لأن الإمام إذا صلى الوتر في رمضان يجهر سواء كان صلى التراويح أو لم يصل , وهو الصحيح ففي تقييده ببعدها وإيراده على إيراد الزيلعي نظر ; لأن أداء الوتر بالجماعة لا يجوز في غير رمضان إلا مع الكراهة على الصحيح , والإمامة لا تتصور بغير الجماعة فيتعين كونه فيه فالإطلاق يكون في محله تدبر .
أي قريبة من الواجب حتى لو تركها أهل مصر لقوتلوا وإذا ترك واحد ضرب وحبس ولا يرخص لأحد تركها إلا لعذر منه المطر والطين والبرد الشديد والظلمة الشديدة وعند الشافعي أنها فريضة ثم اختلف فيها في قول عنه فرض كفاية وهو أيضا رواية عنهما . وعند مالك وأحمد فرض عين وهو أيضا رواية عن بعض مشايخنا ولكن غير شرط لجوازها فإنها لا تبطل صلاة من صلى بغير جماعة ولكن يأثم فيؤول إلى كون المراد به الوجوب . وفي المفيد أنها واجبة وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة لكن إن فاتته جماعة لا يجب عليه الطلب في مسجد آخر كما في أكثر الكتب . وفي الجوهرة : لو صلى في بيته بزوجته أو ولده فقد أتى بفضيلة الجماعة .
( وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة ) أي بما يصلح الصلاة ويفسدها وقيد في السراج الوهاج تقديم الأعلم بغير الإمام الراتب , وأما الراتب فهو أحق من غيره , وإن كان غيره أفقه منه , ويمكن أن يقال : الكلام في أن يكون هذا في نصب الإمام الراتب . وفي الحاوي القدسي : وصاحب البيت أولى , وكذا إمام الحي إلا إذا كان الضعيف ذا سلطان ( ثم ) أي بعد الاستواء في العلم ( أقرؤهم ) أي أعلمهم بالتجويد والمراعي له , ويمكن أن يكون المراد أحفظهم للقرآن , وهو المتبادر . ( وعند أبي يوسف بالعكس ) فإنه يقول : الأولى أقرؤهم لقوله عليه الصلاة والسلام "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى" لهما أن الحاجة إلى العلم أشد حتى إذا عرض له عارض أمكنه إصلاح صلاته فكان أولى . وفي الصدر الأول كانوا يتلقون القرآن بأحكامه فكان أقرؤهم أعلمهم . وفي زماننا أنه أكثر من يحسن القراءة لا حظ له من العلم فالأعلم أولى لكن هذا بعدما يحسن من القراءة قدر ما تقوم به سنة القراءة ولم يطعن في دينه , ( ثم أورعهم ) أي أشدهم اجتنابا عن الشبهات لقوله عليه الصلاة والسلام "من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي" ( ثم أسنهم ) أي أكبرهم سنا ; لأن في تقديم الأسن تكثير الجماعة ; لأنه أخشع من غيره , وقيل : المراد به الأقدم إسلاما فعلى هذا لا يقدم شيخ أسلم على شاب نشأ في الإسلام أو أسلم قبله لكن في المحيط ما يخالفه فإنه قال : وإن كان أحدهما أكبر , والآخر أورع فالأكبر أولى إذا لم يكن فيه فسق ظاهر ( ثم أحسنهم خلقا ) أي أحسنهم في المعاشرة مع إخوانه . وفي المعراج ثم أحسنهم وجها أي أكثرهم صلاة بالليل للحديث الشريف "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" لكن لا حاجة إلى هذا التكلف بل يبقى على ظاهره ; لأن سماحة الوجه سبب لكثرة الجماعة خلفه ثم أشرفهم نسبا ثم أنظفهم ثوبا ; لأن في هذه الصفات تكثير الجماعة , وإن استووا يقرع أو الخيار إلى القوم . لما فرغ من بيان أحكام الصلاة السالمة في حالة الانفراد والجماعة شرع في بيان ما يلحقها من العوارض المانعة من المضي فيها ( من سبقه ) أي عرض له بلا اختيار ( حدث ) غير مانع للبناء كالجنابة وغيرها ( في الصلاة توضأ ) بلا مكث وإنما قيدنا بلا مكث لأن جواز البناء شرطه أن ينصرف من ساعته حتى لو أدى ركنا مع حدث أو مكث مكانه قدر ما يؤدي ركنا فسدت صلاته كما في أكثر الكتب لكن ليس بإطلاقه لأنه إذا أحدث بالنوم ومكث ساعة ثم انتبه فإنه يبني كما في التبيين ( وبنى ) خلافا للشافعي فإن عنده لا يجوز البناء بل يستقبل لأن الحدث ينافي الصلاة إذ لا وجود للشيء مع منافيه وهو القياس لكن تركناه بقوله عليه الصلاة والسلام "من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم" ( والاستئناف أفضل ) تحرزا عن شبهة الخلاف وقيل إن المنفرد يستأنف والإمام والمقتدي يبنيان لفضيلة الجماعة . ( وإن كان ) المحدث ( إماما جر ) بأخذ الثوب أو الإشارة ( آخر ) ممن يصلح للإمامة , والمدرك أولى من اللاحق والمسبوق ( إلى مكانه ) واضعا يده على فمه موهما أنه رعف هكذا روي عن النبي عليه الصلاة والسلام ولو أحدث في ركوعه أو سجوده يتأخر محدودبا ثم ينصرف ولا يرتفع مستويا فتفسد صلاته ويشير إليه بوضع اليد على الركبة لترك الركوع وعلى الجبهة للسجود وعلى الفم للقراءة ويشير بأصبع إلى ركعة وبأصبعين إلى ركعتين هذا إذا لم يعلم الخليفة ذلك أما إذا علم فلا حاجة إلى ذلك , ( فإذا توضأ ) الإمام ( عاد وأتم في مكانه حتما إن كان إمامه ) أي الذي استخلفه فإنه إمام له وللقوم ( لم يفرغ ) عن الصلاة وكذا المقتدي إذا سبقه حدث حتى لو صلى في مكان آخر لم يصح اقتداؤه فسدت صلاته لأن الاقتداء واجب عليه وقد بنى في موضع لا يصح اقتداؤه فيه ولا يجوز انفراده لأن الانفراد في موضع الاقتداء مفسد . وفي شرح الطحاوي يشتغل أولا بقضاء ما سبقه الإمام بغير قراءة لأنه لاحق ثم يقضي آخر صلاته ولو تابع الإمام أولا جاز ويقضي ما فاته لأن ترتيب أفعال الصلاة ليس بشرط عندنا خلافا لزفر . ( وإلا ) أي وإن كان إمامه قد فرغ منها ( فهو مخير بين العود وبين الإتمام حيث ) أي في مكان ( توضأ ) وإنما خير لأن في الأول أداء الصلاة في مكان واحد وهو اختيار شيخ الإسلام والإمام السرخسي وهو أفضل كما في الكافي وفي الثاني قلة المشي وهو اختيار البعض ( كالمنفرد ) أي كما هو مخير بينهما .
|